من التاريخ الإسلامي: عن ذاكرة البخاري مواقف لن ينساها التاريخ
و يُذكر أن البخاري عندما نقارنه فعلاً بمن عاهدناهم و لم نعهدهم يتضح لنا أن في الغالب البخاري صاحب أقوي ذاكرة ربما شهدتها البشرية, فيُذكر أن قوة ذاكرة البخاري قد ظهرت عليه منذ أن كان بعمر ال 10 سنوات, و كان البخاري حاد الذكاء و لكن ما أبهر العالم حقاً هو قوة ذاكرته المستحيلة. و من أشهر الدلائل علي ذلك موقفين.

أولاً البخاري هو الإمام “محمد بن إسماعيل بن إبراهيم” عاش 60 عاماً من عام 810 إلي 870 ميلادياً, و بالطبع ترك لنا البخاري عدة كنوز يأتي علي رأسها “الجامع الصحيح” المعروف باسم “صحيح البخاري” و مكانة البخاري هي أعلي مما نعطيه حقه حالياً نظراً لأن وفقاً للتاريخ فقد منح البخاري المجتمع الإسلامي ثاني أثمن كتاب بعد “القرآن الكريم” و هو “صحيح البخاري” كما أجمع أغلب العلماء.

و أصول البخاري مختلف عليها كأغلب من في عهده, و يُرجح أن البخاري هو ليس الأسم الأساسي لعائلته و أن أسلم جده علي يد البخاري الجعفي الذي قام جده بنسب اسمه له تكريماً لفضله عليه بإدخاله الإسلام, و كان جده مجوسي. و عليها خلاف.
و لكن ما هو معروف محل ميلاده و هو ما يقع داخل “أوزباكستان” حالياً و يوجد ولاية اسمها “بخاري” تقع داخل أوزباكستان حالياً حيث ولد, و لكنها تحمل ذلك الاسم قبل ميلاده, و ما لا يعلمه العديد في الشرق للاسف أن أوزباكستان هي واحدة من أهم و أجمل الدول للسياحة الدينية الإسلامية الممتعة فلن تكون زياراتك مقتصرة علي الأماكن الدينية و لكنك ستجد بها أيضاً مقر تاريخ و إرث العلماء المسلمين مثل بخاري حيث ستجد إرث البخاري و سمرقند حيث تطور بها عمر الخيام و العديد من الأماكن الآخري الرائعة و كانت لتلك المنطقة شأن كبير جداً في العالم بالكامل في عهد السلاجقة بشكل خاص, و إن كنت من محبين السفر فيجب أن تضع أوزباكستان ضمن قائمتك.

و يتضح لنا قوة ذاكرة البخاري من موقفين:
الموقف الأول عندما كان بعمر ال 10 سنوات, حيث بدأ يعرف المجتمع الإسلامي حدة ذكاء البخاري و قوة ذاكرته منذ صغره, و يُذكر أن البخاري أنهي حفظ الأحاديث عندما كان عمره 10 سنوات, و حينها يقول البخاري نفسه:
أن سفيان كان يقرأ “عن أبي الزبير عن إبراهيم”.
فأستوقفه البخاري و قال له “إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم” و أختلفا فقال البخاري له أرجع للأصل.
و بعد أن راجع عاد لبخاري و قاله له “كيف هو يا غلام؟”.
فرد بخاري “الزبير بن عدي عن إبراهيم”.
فقال البخاري “فأخذ القلم مني و أحكم” و كان يقصد و أصلح الخطأ.

أما الموقف الثاني هو أحد المواقف التي تسببت في أن يثق الجميع بالبخاري دون أدني شك.
فحينما ذهب البخاري إلي بغداد, و كان قد ذاع صيته, أتفق أصحاب الحديث ببغداد أن يختبروا ذاكرة البخاري, حيث أتفقوا علي أن يقوموا بتغيير نص 100 حديث و تغيير أسماء الرجال الذين نقلوا الحديث عن بعض و قام 10 رجال بتقسيم ال 100 حديث علي أنفسهم حيث حفظ كل رجل 10 أحاديث مغلوطة متداخلة مع آخري ليرووها علي بخاري و يختبروا فعلاً ذاكرته.

و عندما بدأ المجلس قام الأول و روي علي البخاري الحديث الأول.
فرد البخاري: لا أعرفه.
ثم أستمر بالثاني و الثالث حتي أنهي العشر أحاديث و رد البخاري في كل مرة “لا أعرفه”.
ثم قام الرجل الثاني و بدأ أيضاً بالحديث الأول, و رد البخاري “لا أعرفه” ثم أستمر و ظل البخاري نفس الرد “لا أعرفه”.
و بدأ ينظر الرجال لبعضهم في دهشة (حسب وصف الناقل و هو الحافظ ابن حجر العسقلاني), و لكن أستمر رغم ذلك من تبقي من الرجال و كانت جميع إجابات البخاري “لا أعرفه” حتي أنهوا ال 100 حديث.

فسكت الجميع و نظر البخاري للرجل الأول قائلاً:
أما أنت, فحديثك الأول فقلت “و ذكر البخاري الحديث المغلوط الذي رواه الرجل بالترتيب الذي رواه”, و أكمل قائلاً أما الصحيح فهو كذا و كذا و كذا و روي الحديث الصحيح. ثم ألتفت للثاني و قام بنفس الشئ حتي أنهي ال 100 حديث لل 10 رجال, بعد أن روي ال 100 حديث المغلوط أولاً, أي أن البخاري حفظ ال 100 حديث المغلوط و روي ال 100 الآخرين ليُصبح مجموع ما رواه في ذلك المجلس فقط 200 حديث.
و هنا قال “الحافظ ابن حجر” جملته الشهيرة “هُنا يُخضع للبخاري”.

و عندما تنظر لتلك الموهبة, تدرك جيداً أن إرادة الله فوق كل شئ, و إن أراد الله بأمر ما أن يستمر فسيستمر, و إرادة الله في إستمرار ذلك الدين, فلا قلق عليه ليوم الدين, فسيحفظه الله. و كل ما هو عليه خلاف فهو مقصود, و كل ما هو محسوم فهو معروف. و ليستمروا بالضغط فذلك لا يزيدنا إلا تشبثاً بأمر الله.

يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.