حقيقة كليبر “مؤسس الماسونية في مصر”!
هو الجنرال الفرنسي الشهير “جان باتيست كليبر”, و يُعتبر ثاني أشهر فرنسي في تاريخ مصر بعد نابليون بونابرت. و تُعرف فترة تواجد نابليون في مصر محلياً ب “الحملة الفرنسية علي مصر” أما عالمياً فتُعرف تلك الفترة إجمالاً باسم “حروب فرنسا الثورية” و هي سلسلة من الحروب نتجت عن دخول فرنسا في عدة حروب مع تحالفات من الممالك الأوروبية في محاولة لإسقاط الجمهورية الفرنسية و إرجاع المملكة كما كانت.

و الدافع وراء تلك المعارك ضد فرنسا هو إسقاط الفكر الجمهوري خوفاً من إنتشاره في أنحاء أوروبا من جهة, و من جهة آخري إنفعال نسب و أقارب الملك من ملوك الدول المحيطة, و أشتعلت المعارك بالطبع أكثر علي غرار إعدام الملك الفرنسي “لويس السادس عشر” و عائلته عام 1793.

أما حروب فرنسا الثورية فلقد أستمرت ل 10 أعوام منذ عام 1792 و حتي عام 1802 و لم تكن جميعها داخل اوروبا بل تطورت فرنسا عسكرياً بشكل مبالغ في عهد نابليون نظراً لتطبيقه أساليب و تكتيك معارك جديد لم تكن تتمكن الجيوش المضادة من مواجهته, حيث أنطلقت فرنسا نحو المستعمرات الأوروبية لتسلب ملوك أوروبا مستعمراتهم, و ذلك مفيد لها من أكثر من جهة, فتستفيد فرنسا بذلك بنشر قواتها و ضم مجندين آخرين لقواتها من الدول المحتلة و التمكن من مناطق و نشر الثقافة و اللغة الفرنسية و توسعة رقعة الدولة و دخلها و مواردها أيضاً, بالإضافة إلي إضعاف الملوك المضادين و تقليل مواردهم مما سينعكس علي تمكنهم من مد الجيش بالمؤن و السلاح الذي سينعكس علي قدرة الجيش.

و بالنسبة للحملة الفرنسية علي مصر بشكل خاص, بالرغم من أهمية موقع مصر عسكرياً علي مدار تاريخها و حتي اليوم, لم يكن الهدف من دخول فرنسا لمصر هو مصر بالتحديد, فالحملة بدأت عام 1798, و كانت تهدف بالأساس لدخول مصر و الشام, و لكن نتيجة ضعف الحُكم المملوكي آنذاك و تفوق الجيوش الفرنسية علي أوروبا بالكامل و الدولة العثمانية أيضاً و سهولة سقوط مصر, بدأت فرنسا بمصر لتتمكن من تأسيس حملة علي سوريا حيث كان يسعي نابليون في النهاية لوقف الممر التجاري لبريطانيا إلي أرض الخيرات “الهند”. و لكن لم تنجح الحملة في تحقيق أهدافها في النهاية, و ذلك هو السبب الرئيسي لدخول بريطانيا و محاولة إسترداد مصر بأي ثمن.

و بالعودة لكليبر, فكليبر بالأساس إبن واحد من اشهر رجال البناء في تاريخ فرنسا, و درس في بداية حياته التصميم و العمارة, و رغم سوء شخصيته العسكرية إلا انه كان مصمم مباني بارع. و بعد أن أنهي دراسته, ألتحق بمدرسة عسكرية بمساعدة 2 من النبلاء الألمان و كانت تلك المدرسة بميونخ (مونشن) بألمانيا.

و بعد التخرج ألتحق بالجيش الامبراطوري الروماني المقدس, و لكن تم إسناد المهام السهلة له الأمر الذي جعله يدرك أن طريقه نحو الترقي في الجيش شبه مسدود. فأستقال. و عاد إلي فرنسا و بدأ بوظيفة مفتش علي المباني العامة في بلفورت. و بجانب العمل أكمل الدراسة و لكن في مجال علوم بناء الحصون و العلوم العسكرية. و كان ذلك عام 1783.
و في عام إشتعال الثورة الفرنسية عام 1792 تطوع للإشتراك بقوات الراين بفرنسا, و تطور سريعاً حتي تم ترقيته في العام التالي علي الفور و أظهر كليبر الشجاعة و الذكاء في العديد من المعارك الأمر الي أدي لإستمرار ترقيه بالجيش حتي وصل لرتبة جنرال عام 1794, و أستمر كليبر في خدمة الجيش الفرنسي لسنوات عديدة حتي حقق شهرة هائلة وصلت لمسامع نابليون نفسه و أصبح من المعروفين لديه بشكل شخصي. و لكن لأسباب غير معروفة مع بداية عام 1798 أعتزل كلبير الحياة السياسية لفترة قصيرة و مكث في ماينتس بألمانيا, و بعد توقيع معاهدة و ضم ماينتس إلي فرنسا (تتبع ألمانيا حالياً) عاد كليبر للعمل مرة آخري مع نابليون و الإعداد للفكرة المطروحة منذ عام 1777 و هي شن حملة علي مصر.

و بعد دخول الحملة الفرنسية مصر تعرض نابليون لإصابة في رأسه بالإسكندرية الأمر الذي جعله يولي كليبر زمام الأمور لإستكمال الحملة و قام بتعينه حاكماً للإسكندرية, التي قادها بنجاح حتي تمكن من أغلب المناطق بحدود مصر مع الشام بحلول منتصف عام 1799. و رحل نابليون عائداً إلي فرنسا في نهاية نفس العام تاركاً كليبر قائد للقوات الفرنسية بالكامل داخل مصر.
و بعد تولي كليبر زمام الأمور بدأت بريطانيا تستعد بالاتفاق مع الدولة العثمانية لطرد فرنسا من مصر, و بعد وقوع معركة حاسمة بين الدولة العثمانية و كليبر “معركة هليوبوليس” (تفاصيلها مذكورة بمقال بالموقع), حقق كليبر إنتصار, و لكن نتيجة ذلك الإنتصار كان إحباط عام للمصرين الذين كانوا يأملوا أن تنهي تلك المعركة التواجد الفرنسي بداخل مصر, فأشتعلت إنتفاضة شعبية ضد الحكم الفرنسي, و لإخماد تلك الإنتفاضة قام كليبر بضرب المتظاهرين بالمدافع (حسب وصف البعض) و إذلالهم بشكل وحشي.
يمكنك قراءة تفاصيل معركة هليوبوليس من هنا
و ما لا يتم ذكره أن كليبر كان “ماسوني” و قام بتأسيس مقر (معبد) للماسونية داخل مصر و منح نفسه منصب “سيد” بالإتفاق مع المقر الماسوني العالمي, و كان يُعرف باسم “محفل إزيس الماسوني”. و قام بتأسيس ذلك المحفل قبل إغتياله ب6 أشهر تقريباً.


و ربما كان ذلك أحد أهم الدوافع التي حركت واحد من أشهر السوريين في تاريخ مصر “سليمان الحلبي” فأسلوب تعامل كليبر مع المصريين في إخماد الثورة و انتصاره علي الدولة العثمانية في معركة هليوبوليس و فتح مقر للماسونية في مصر, كانت كلها ضغوط نفسية لم يحتملها “سليمان الحلبي” و أنتقل إلي مصر. و ألتحق الحلبي بالأزهر في البداية كطالب و لكنه جاء إلي مصر بغرض قتل كليبر.

و بالفعل تمكن الحلبي من دخول قصر كليبر و إفتعال كأنه يتوسل إليه من أجل خدمة ما, ليفاجئه سليمان و يقوم بطعنه أكثر من طعنة حتي أنهي حياته, و حاول سليمان الفرار و لكن تم الإمساك به, و إعدامه بواحدة من أقذر أنواع الإعدام و هو الخازوق بعد مقتل كليبر بأسبوع واحد عام 1800 عن عمر 47 عاماً.
و تم حرق ذراع سليمان الحلبي الذي طعن به كليبر و وضعه علي الخازوق و تركه في ميدان عام بمصر لمدة أسبوع كامل و توفي البطل سليمان الحلبي عن عمر 23 عاماً. و تم نقل جمجمة سليمان إلي فرنسا و التبرع بها لكلية الطب. و تم نقل جثة كليبر إلي فرنسا و تم دفنه في مارسيليا, و بعد 18 عاماً تم نقل قبره إلي محل ميلاده و هي مدينة “ستراسبورج” في فرنسا.

و من الملفت في طريقة قتل سليمان لكليبر, هو إتباع نفس منهج جماعة الحشاشين في الإغتيالات (للتنويه فقط و ليس لأي إتهام أو نسب). و بعد عدة سنوات حاولت مصر و سوريا بكل الطرق إستعادة رفات سليمان الحلبي المعروضة في متحف باريس حالياً و لكن دون فائدة.

و لم يترك كليبر بعد وفاته في مصر أي ذكري حميدة, و لكن في فرنسا ترك العديد من المباني المصممة بشكل معماري ممتاز جداً.

يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.