لماذا يدين الجميع بالفضل للعصر الذهبي الاسلامي في تكنولوجيا تحديد المواقع و علوم الفلك حالياً, “الاسطرلاب” أو “ذات الصفائح” و حكاية إبتكار يعكس واحدة من أهم الفترات العلمية التي عرفها التاريخ..
و يُعتبر الاسطرلاب واحد من أكثر الأجهزة التي حيرت العالم حتي اليوم, و بسبب ذلك الابتكار بنيت العديد من النظريات و العلوم المتطورة التي غيرت من مسيرة البشرية من الناحية التكنولوجية في علم تحديد المواقع و علوم الفلك. و لم تقتصر فائدته علي المسلمين فقط بل تم إستخدامه لاحقاً من جميع شعوب العالم.
و هو إبتكار ليس أساسه علماء مسلمون و لكن الإضافة الكبيرة التي أضافوها إليه كانت العامل الفارق لاحقاً.

و كان يُحدد ذلك الجهاز العبقري خطوط الطول و دوائر العرض بل و يوضح مناطق هدوء البحر و تقلباته, و أصبح ذلك الجهاز أيضاً هو منارة السفن التي علي أساسه تُحدد طرق الابحار. فلم يكن يعي العالم بعد ما هذا الابتكار الذي سبق به هؤلاء العلماء العالم بمئات السنوات. و اصل الاسم نفسه متنازع علي اساسه و يُرجح أكثر من رواية, و لكن في الغالب أصوله يونانية قديمة.

و كانت المحاولات في البداية لصناعة الاسطرلاب و استخدامه تعود إلي ما قبل الميلاد مروراً بالعديد من الحضارات من ضمنها عهد البطالمة, إلا أنها لم تكن ناجحة كثيراً, و حاول العلماء في العهد البيزنطي تطويره بعض الشئ و لكن لم تكن بالشكل المطلوب و ظل الاسطرلاب مقتصر علي محاولات و لكن ليست بالشكل الحالي.

و بعد قيام حضارة بأسس قوية و بداية نهضة علمية تاريخية في العهد الإسلامي الذهبي (و ذلك ليس وصف بل الاسم الرسمي Islamic Golden Age), بدء العمل الحقيقي الذي استوحي بالطبع المبدأ ممن سبقوه, و لكن بشكل مختلف ليتم تأسيس بالفعل جهاز “الاسطرلاب” الذي سُمي “ذات الصفائح” في ذلك العهد بدمج عدة أبحاث علمية من دراسات عن الزوايا, و كانت البداية لاستخدامه هي تحديد اتجاه مكة و سهولة تحديد القبلة من أي مكان, و يُعتقد أن أول شخص قام بتطوير ذلك الإبتكار هو “محمد إبراهيم الفزاري” و هو ابن “إبراهيم الفزاري” و كلاهما عالما فلك و رياضيات شهيران.

و أستمرت عملية التطوير للأسطرلاب الذي شمل مواضع النجوم المعروفة و دوائر ذات تصميم مميز توضح الافق. الأمر الذي اصبح لاحقاً وسيلة ليستخدمه البحارة المسلمين لتحديد وجهتهم في الابحار, و بدأ من هناك ينتشر إلي جميع أنحاء العالم, ثم أضاف العالم المسلم السجزي لمسته ليطور منه و يجعل الاسطرلاب المسطح اسطرلاب ذو قُطبين ثم أضاف إليه البيروني استخدام الزوايا و كذلك أضاف الزرقالي من علمه, و كان للأسطرلاب دور علمي و دور ديني ايضاً كما ذكرنا القبلة, و لكن تطور الأمر أيضاً و شمل مواقيت الصلاة الدقيقة.

و كل ذلك تم بالأساس علي علوم الرياضيات التي تطورت في ذلك العهد و بشكل خاص من أعمال العالم المسلم الشهير “البتاني“. و تحول الاسطرلاب لأداة حاسبة لكل شئ تقريباً لفترة طويلة علي مستوي العالم, و أصبح يُستخدم أيضاً في تحديد أوقات قيام معارك بناءاً علي الطبيعة الفلكية و الظروف البيئية و الجوية المتوقعة.

و في فترة صدور عدة كتب و مراجع إسلامية, بدأت عملية الترجمة لتلك العلوم لنقلها للغرب, و كان الاسطرلاب بشكل خاص من أهم ما يتم نقل كتب عنه, و سجل العديد من المؤرخين و العلماء العرب كُتب قيمة عن ذلك الجهاز, الذي يتم العثور عليه دائماً داخل السفن القديمة الغارقة نتيجة حوادث أو قصف. و لا يُمكن حصر كم العلماء المسلمون الذين شاركوا في تطوير ذلك الجهاز أو تسجيل بياناته أو شرحه في كُتب لأن عددهم بالعشرات.

و كان البرتغاليين هم أول الأوروبيين المستخدمين للاسطرلاب المطور الذي بدوره انتقل لفرنسا أيضاً, حتي أصبحت فرنسا آنذاك من أشهر المصنعين له في أوروبا, و أستمر التطوير للاسطرلاب حتي في أوروبا بعد ذلك و أستمر العمل به حتي شهد العالم عمليات تطور لاحقة في الأجهزة.

و يتكون الاسطرلاب من عدة أجزاء, و لكل جزء دور من تمثيل خطوط الطول لمواضع النجوم, و هو قابل للحركة بحيث مع كل حركة يمكنك معرفة الظروف المحيطة لكل وضع بشكل منفصل مع الاخذ في الاعتبار حركة الشمس. و كان يُعرف بين العرب باسم “ذات الصفائح”.

و هكذا كان ذلك العهد علماء تسلم علماء و كل عالم يضع لمسته و يضيف مما أنعم الله عليه بالعلم, فكان العلماء هم أساس الدولة و مصدر فخرها و اهتمامها مما جعل تلك الأمة قوية لسنوات طويلة حتي بدأ الإنهيار بالنهاية عندما اختلفت الاهداف و تحول الاهتمام بالحكام اكثر من العلماء لتبدأ مرحلة التهاوي و السقوط.
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.