محمد باشا الكوبريللي, العثماني المنسي و أشهر صدر أعظم في تاريخ الدولة العثمانية الذي أعادها علي مسارها لتستمر لقرون لاحقاً
و محمد باشا الكوبريللي هو مؤسس عائلة كوبريللي الشهيرة واحدة من أشهر العائلات السياسية العثمانية, و جذورهم ألبانية من مدينة كوبري, و ترجع شهرة تلك العائلة لتولي 6 أشخاص من العائلة منصب الصدر الأعظم أو الوزير للسلطان العثماني. و منصب الصدر الأعظم هو منصب مشابه تماماً لمنصب رئيس الوزراء بشكله الحديث.

“محمد باشا الكوبريللي” يُعتبر أول الشخصيات التي صنعت المجد لتلك العائلة داخل الدولة العثمانية و زادت من شهرتها, و سبب شهرة محمد باشا هو إعادة هيكلة الحكومة الأمر الذي تسبب في سقوط العديد من الفاسدين و إعادة ترميم لنزاهة الدولة العثمانية, كذلك نجاحاته علي المستوي العسكري في قيادة الدولة لإنتصارات حاسمة علي المجر و البندقية.

كما أن محمد باشا هو مؤسس مدينة كوبري و كانت داخل ألبانيا القديمة أما حالياً فهي تقع داخل مقدونيا/شمال مقدونيا و تُعرف باسم “فيليس”, و يوجد أيضاً بلدة في تركيا كانت تُعرف بكوبرو و لكن أصبحت حاليا فيزيركوبرو و تم تغير الاسم نسبة لمنصب الصدر الأعظم لمحمد باشا و تكريماً له.

و لكن محمد باشا لم يبدأ حياته ثري بل ولد في قرية بسيطة في ألبانيا (داخل ألبانيا حالياً أيضاً) و هي “بيرات” أو بمعني أدق ولد في “سنجق بيرات” و السنجق هو جزء من اللواء حيث ينقسم اللواء أو المحافظة إلي عدة سناجق. و بدأ العمل أثناء ما كان صبي بمطبخ قصر السلطان كعامل بالمطبخ ثم تم نقله للعمل في مكاتب القصر, و لكن بعد فترة قصيرة لم يفلح في تلك الوظائف فتم نقله إلي الجيش ضمن القوات السباهية (أقوي كتائب سلاح الفرسان العثمانية).

و كان أول تعيين له بالسباهية في شمال تركيا في “كوبرو” (التي أصبحت فيزيركوبرو (وزير كوبري) كما ذكرنا تمت التسمية نسبة لاسمه و ذلك تكريماً له علي أنها أول منطقة خدم بها), و أستمر محمد ,الذي احتفظ باسم الكوبريللي حتي أصبح اسم العائلة لاحقاً, بالتدرج في الرتب بالجيش و كان ذلك أثناء ملازمته للشهير “خسرو باشا البوسنوي” الذي تم إعدامه نتيجة ازمة أشتعلت داخل الجيش. و لكنه ساعده كثيراً في البداية و تمكن كوبريللي ان يعلو في المناصب طوال فترة تواجد خسرو.

و عند المرور علي حياة محمد الكوبريللي, تلاحظ ملازمته الدائمة للقادة البارزين و في كل مرة يسقط أحدهم يتمكن كوبريللي من النجاة و الاستمرار بشكل طبيعي, و أستمر محمد في التدرج و الانتقال بالمناصب الرفيعة حتي تولي رئيس شرطة اسطنبول ثم وصل لمنصب “سنجق بك” و الذي يعني “حاكم سنجق” أي بمثابة حاكم قرية/مدينة صغيرة بمفهومنا الحالي.

و أثناء توليه ذلك المنصب تمكن محمد الكوبريللي من توطيد علاقته مع السيدة “ترخان خديجة سلطان” التي كان ابنها الصغير آنذاك “محمد” الذي أصبح السلطان العثماني الشهير “محمد الرابع” لاحقاً, و لكن في تلك الفترة لم يستفيد منها بشئ و مع أستمرار أزمة في السلطة و صراعات عديدة داخل الدولة العثمانية و بداية فترة فساد شهيرة بدأت عملية خلع البعض من مناصبهم و كان من ضمن المخلوعين محمد الكوبريللي نفسه الذي تم فصله عام 1652.

و بعد فصله بسنوات بدأت سلسلة من الهزائم و الإنهيارات لعدة أسلحة بالدولة العثمانية مما شمل هزائم في كريت و كارثة في عهد تولي السلطان محمد الرابع, مما أشعل الغضب ضده و حفز محاولة لخلعه من منصبه و لكنها فشلت, و علي أثرها بدأ محمد الرابع بالإطاحة بالعديد من القادة بالدولة, و علي الفور أشارت عليه والدته (التي كانت علي علاقة جيدة و مقتنعة بمحمد الكوبريللي) بأن يقوم بتعيين الكوبريللي صدر أعظم بالدولة بناءاً علي خبرته الكبيرة و ثقتها به.

و بالفعل تولي كوبريللي المنصب عام 1656, و لكن بعد أن وضع شروط علي السلطان بمنحه صلاحيات غير مسبوقة لكي يتمكن من السيطرة علي الأوضاع داخل الدولة, و وافق السلطان علي ذلك, و بدأ بعملية إطاحة بكل أوجه الفساد أو الخيانة أو التحالفات الخارجية, كما أقترح علي السلطان العثماني أن يمتنع عن التدخل في الشئون السياسية للدولة و أن ينقل العاصمة إلي أدرنة, و بدأت عدة إضرابات و ثورات في عهده من الجيش تمكن من إخمادها جميعاً.

و أستمرت عملية إعادة الهيكلة للدولة, و كما أوضح كوبريللي في بداية توليه أنه سيعيد طريقة إدارة الدولة العثمانية للأسلوب القديم, مما تسبب في إنتفاضة ملحوظة و نجاح كبير بعد أن وضع شروط إعدام للفاسدين و عقوبات شديدة للمقصرين, و لكن تنازل كوبريللي عن منصبه بعد صراع حاد مع السلطان محمد الرابع بعد أن خالف الاتفاق و تدخل بشئون الحكم, و لكن بعد مرور فترة قصيرة عاد محمد الرابع لكوبريللي و أعاده لمنصبه بعد أن بدأت تظهر نتائج ما قام كوبريللي ببناءه و بدأت النهضة في الدولة العثمانية مرة آخري.

و الغريب عن كوبريللي انه تولي منصب الصدر الأعظم بعمر ال80, و لكنه استمر بالعطاء متواصل حتي آخر لحظة في حياته, فكان لا يكل من العمل أبداً, و في عام 1661 سقط كوبريللي مريض بعد أن تمكن من قيادة الدولة لعدة أحداث هامة في تاريخ الدولة العثمانية, و أشهرها ثورة “أباظة حسن باشا” والي حلب الذي قاد ثورة ضده بسبب سوء معاملته لقادة الجيش التي انتهت بإعدام أباظة حسن باشا نفسه. و لكن تمكن المرض منه و تسبب في وفاته عن عمر 86 عام.

و هو علي فراش الموت أعطي السلطان محمد الرابع بعض النصائح:
-لا تقوم بتعيين أي وزير من الأثرياء.
-حافظ علي خزينة الدولة ممتلئة دائماً.
-يجب أن يظل الجيش دائماً في ميادين المعارك.
-أن يعين ابنه خلفاً له كصدر أعظم و هو فاضل أحمد باشا. (و كان ناجح جداً أيضاً)
-لا تأحذ نصيحة أبداً من امرأة.
رغم أن وصوله لهذا المنصب في الأساس كان بناءاً علي نصيحة امرأة!
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.