البطريرك الأرثوذكسي “صفرونيوس” الذي طاف القدس برفقة “عمر بن الخطاب”. حكاية العهدة العمرية
يُعتبر صفرونيوس من أشهر رجال الدين في تاريخ المسيحية الأرثوذكسية, و يُصنف كقديس من الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية و الكاثوليكية ايضاً, و كان قد تولى بطريرك إيلياء (القدس) قبل فترة الفتوحات الإسلامية بالشام بقليل.. و هو من أشهر الأطراف بعهدة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

صفرونيوس دمشقي ولد بدمشق و لكن يُعتقد أن جذوره يونانية سورية, و سافر صفرونيوس إلى مصر لاحقاً حيث عاش حياة الزهد بها لفترة قبل أن ينتقل إلى دير “القديس ثيودوسيوس” (دير بن عبيد) في بيت لحم بفلسطين, و في خلال سنوات قليلة أصبح صفرونيوس أحد أشهر رجال الدين المسيحي في العالم متنقلاً بين مصر و فلسطين و روما و ما يقع داخل تركيا حالياً, و لصفرونيوس مواقف كثيرة شهيرة و التي رسخت المعتقدات المسيحية الأرثوذكسية المستمرة حتى اليوم.

و مع بداية دخول الإسلام لأرض الشام و الفتوحات, و بعد أن حقق المسلمون إنتصارات تاريخية على الروم الذين كبدوا الجميع بالشام خسائر لا تُحصى أي كان ديانته, بدأ الإسلام ينتشر سريعاً داخل الشام و بدأت عدة مناطق تدخل تحت الدولة الإسلامية بعد توقيع معاهدات و إلتزام قادة الجيوش المسلمة بالحفاظ على ممتلكات أهل تلك المناطق.

و أمتزجت تلك الدول مع الدولة الإسلامية حتى و إن لم تتغير عقيدتها و عقيدة سكانها و لكن عاشت تلك الشعوب لفترة طويلة من بداية إنتشار الحكم الإسلامي في الشام حياة هادئة.. و ربما يتضح ذلك من العدد الكبير للأبنية الدينية الغير مسلمة الموجودة بعدة دول كانت تابعة للدولة الإسلامية لفترة طويلة.
و بالعودة لصفرونيوس, فهو معروف بتاريخ المسيحية, و معروف بالتاريخ الإسلامي ايضاً, فبعد أن تمكن المسلمون من سحق الروم في معركة اليرموك بدأ المسلمون حصار القدس ضمن الحرب المستمرة بين المسلمين و الروم, و دام الحصار لبضعة أشهر, حيث هربت القوات البيزنطية و حاولت القدس إستغلال ذلك بتشكيل جبهة دفاع و لكن لم يصلها أي دعم من هرقل بسبب ضعف قواته آنذاك و تواجد قوات المسلمين في الطريق.

و حسب أغلب المؤرخين, فضل المسلمون أن يستمر الحصار دون قتال عن الدخول في معارك أخرى واثقين بأن المدينة في مرحلة ما ستستسلم, و هذا ما حدث بالفعل, لذلك غير مسجل أي سقوط لقتلى أو أحداث بها دماء في ذلك الحصار و لكن أشترط صفرونيوس أن يحضر عمر بن الخطاب بنفسه لكي يتم توقيع معاهدة بين أهل المدينة و الدولة الإسلامية من أجل الإستسلام, و بالفعل سافر عمر بن الخطاب إلى القدس.

و بالقدس قابل عمر بن الخطاب صفرونيوس و طاف معه القدس و أتفقا على شروط المعاهدة بين الدولة الإسلامية و المدينة و ألقى عمر خطبة على أهل إيلياء (القدس), و لما حان موعد الصلاة طلب من البطريرك مكاناً يُصلي به و سأله أين أصلي, فعرض عليه البطريرك أن يُصلي في كنيسة القيامة, و لكن رفض عمر خشية من أن يأتي من بعده جيل و يُستغل الحدث بشكل ما ليتم بناء مسجداً حيث صلى. مما يعني فقدان المسيحيين بالقدس الكنيسة.

لذلك صلى عمر بن الخطاب الفاروق رضي الله عنه بالقرب من كنيسة القيامة, و ما كان يخشاه عمر حدث بالفعل حيث تم بناء مسجد عمر في نفس المكان الذي صلى به عمر لاحقاً في عهد الأفضل بن صلاح الدين, و مكث عمر في المدينة و قبل المغادرة أنهى كتابة العهدة العمرية بين أهل بيت المقدس و الدولة الإسلامية و شهد عليها 5 من المسلمين.

أما تفاصيل العهدة العمرية فهي محل خلاف بين العديد, و حاول بعض المؤرخين بالغرب إنكار صحتها, و لكن فشلت المحاولة لأن عدة مؤرخين بالغرب اخرين أكدوا وجودها من كتابات بأكثر من عهد مؤرخة من مسيحيين و يهود ايضاً و لأن العهدة ذاتها شملت أكثر من منطقة و ليس القدس فقط, و لكن بنودها يُعتقد من الأغلبية أنه إزدادت مع الوقت, أي حتى بعد عمر بدأ الإضافة على البنود الأساسية على مدار فترة طويلة من الحكم الإسلامي بتلك المناطق.

و تظل تلك العهدة توثيق لأحد أهم الأحداث في تاريخ الشام و تعكس عقلية عمر و فكره و أسلوبه و رؤيته للمستقبل ايضاً, و توضح أسلوب إدارة الدولة الإسلامية و تعاملها مع المسلمين و غير المسلمين.. في عهد عمر بن الخطاب بشكل خاص.
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.